![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() المقدمة: شهدتْ بيئةُ الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تفاعلاتٍ علميَّةً دقيقةً، اتسمتْ بروح الاحترام العميق والمساءلة النزيهة. فقد اعتبر الصحابةُ نقلَ الحديث النبوي أمانةً علميَّةً تستلزم التثبت والتحقق، لا مجرد تراثٍ يتلقاه الناس بلا مراجعةٍ، بل كان محل تدقيق وتصويبٍ متبادلٍ، حتى بين كبارهم. ويكشف هذا التفاعل العلميُّ عن نضج معرفي وروحي لافتٍ، ويؤكد أن النقد البنَّاء لا يُفسد الاحترام، وأن اختلاف الرأي لا يعني الخصومة. في هذا المقال نسلِّط الضوء على ثلاثة من أبرز الصحابة: عائشة بنت أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهم، من خلال خمسة نماذج حديثية تُبرز كيف جرى النقد العلمي الموضوعي الراقي بينهم. وكان هذا النقد من أبرز وسائل تحقيق الدقة في الرواية، وأساسًا لفهمٍ علميٍّ أعمقَ في صدر الإسلام. وقد نشأت فكرة هذا المقال من خلال دروسي في شرح «صحيح مسلم» و«جامع الترمذي» و«سنن أبي داود» بمدرسة قوة الإسلام وكلية المدني في لندن، كما استعنتُ -بتوفيق الله وفضله- بمطالعاتي لكتب الحديث الأخرى وشروحها المعتمدة، لاستخلاص هذه النماذج وتحليلها. المشهد الأول: عائشة تخالف رواية ابن عمر مع توضيح السبب: أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» برقم (929) في قصة طويلة عن ابن عباس قال: فقمت فدخلت على عائشة، فحدثتها بما قال ابن عمر [حديث تعذيب الميبت ببكاء أهله عليه]، فقالت: «لا، والله! ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط: إن الميت يعذب ببكاء أحد. ولكنه قال: إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى. قال أيوب: قال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: «إنكم لتحدثوني عن غير كاذِبَين ولا مكذَّبَين، ولكن السمع يخطئ». التحليل: لم توافق السيدة عائشة على الرواية المنقولة عن عمر وابنه عبد الله، اعتمادًا على ما توفر لها من العلم والنقل، لكنها في الوقت ذاته لم تشكَّ في صدق الصحابيين، بل التمستْ لهما عذرًا، موضحةً أن الخطأ قد يكون في السمع أو الفهم. ويُجسّد هذا الموقف مثالًا راقيًا للنقد العلمي، إذ يجمع بين الثقة بالناقل، والتنبيه لاحتمالية الخطأ في النقل، وهو منهج دقيق يعكس وعيًا معرفيًّا متقدِّمًا. وعن رواية ابن عمر، يقول الخطابي رحمه الله تعالى في «معالم السنن» (1/ 303): «وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحًا من غير أن يكون فيه خلافُ الآية، وذلك أنهم كانوا يُوصون أهليهم بالبكاء والنوح عليهم، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجودٌ في أشعارهم.إذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقتَ حياته». ومن جهة أخرى، نرى أن عبد الله بن عمر، على الرغم من تلقيه نقد عائشة، ظلَّ يثق برأيها في مسائل العلم، كما سيتضح في المشهد التالي. المشهد الثاني: ابن عمر يتحقق من حديث أبي هريرة عبر عائشة: أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» برقم (945) عن نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تبع جنازة فله قيراط من الأجر»، فقال ابن عمر: «أكثر علينا أبو هريرة». فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة. فقال ابن عمر: «لقد فرطنا في قراريط كثيرة». التحليل: تعكس هذه الرواية احترامًا متبادلًا ونزاهة علمية بين الصحابة؛ فلم يمنع نقد عائشة السابق لابن عمر من أن يرجع إليها ويتحقّق منها في مسائل العلم. كما أن ابن عمر لم يشكك في صدق أبي هريرة، بل سعى إلى التثبّت من روايته عبر مصدر موثوق آخر. وحين صدَّقتْ عائشةُ روايةَ أبي هريرة، قَبِل ابنُ عمر الحديثَ بطمأنينةٍ، وأقرّ بتقصيره في العمل به، قائلًا: «لقد فرّطنا في قراريط كثيرة». وعبّر ابن عمر أيضًا عن تقديره لمكانة أبي هريرة العلمية، حيث قال كما في «مسند أحمد»(4453) بسندٍ صحيحٍ: «يا أبا هريرة، كنتَ ألزمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمَنا بحديثه». وأما قوله: «أكثر علينا أبو هريرة»، فقد علّق عليه الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على «صحيح مسلم» (7/ 15): «معناه أنه خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر في ذلك واختلط عليه حديثٌ بحديثٍ، لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع؛ لأن مرتبة ابن عمر وأبي هريرة أجلُّ من هذا». ومن جهة أخرى، فإن تصديق السيدة عائشة لرواية أبي هريرة يدل على ثقتها به وتقديرها لعدالته ومكانته بين الصحابة. ومع ذلك، لم يمنعها هذا التقدير من مخالفة بعض آرائه في مواضع أخرى، كما سيتبيّن في المشهد التالي. المشهد الثالث: عائشة وأم سلمة تُصححان رأي أبي هريرة عن الصيام: أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» برقم (1109) عن أبي بكر، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقص، يقول في قصصه: «من أدركه الفجر جنبا فلا يصم». فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث -لأبيه- فأنكر ذلك. فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه. حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. فسألهما عبد الرحمن عن ذلك. قال فكلتاهما قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم». قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر له ذلك عبد الرحمن، فقال مروان: «عزمتُ عليك إلا ما ذهبتَ إلى أبي هريرة، فرددتَ عليه ما يقول». قال: فجئنا أبا هريرة. وأبو بكر حاضر ذلك كله. قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: «أهما قالتاه لك»؟ قال: نعم. قال: «هما أعلم». ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس. فقال أبو هريرة: «سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم». قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك. التحليل: يجسِّد هذا المشهد نموذجًا رفيعًا للنزاهة العلمية بين الصحابة؛ إذ بادرتْ أم سلمة وعائشة إلى تصحيح رأيٍ لأبي هريرة استنادًا إلى ما لديهما من علم وتجربة مباشرة مع النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يتردد أبو هريرة في القبول بقولهما، بل قال بوضوحٍ: «هما أعلم»، في دلالة على تواضعه العلمي واحترامه لهما. وهذا يعكس أيضًا احترام أبي هريرة للنساء من مجتمع الصحابة، ويدحض تمامًا الزعم المتكرر من بعض التيارات النسوية بأنه كان يحمل عداءً للمرأة، وهو ادعاءٌ لا أصل له في النصوص ولا في سلوك أبي هريرة. كما أن رجوعه السريع عن رأيه، بعدما ظهر له الصواب، يُبرز إخلاصه للحق، وتقدّمه للعلم على التمسّك بالمواقف الشخصية. وهذا مشهدٌ من مشاهد العقلية النقدية والبيئة العلمية الحيّة التي كانت سائدةً بين الصحابة والتابعين، حيث نجد أن التابعين أيضًا لم يتلقّوا كل ما يُقال دون مراجعةٍ، بل تحققوا وسألوا أمهاتِ المؤمنين، وردّوا ما خالف علمهم، ثم رجعوا بالعلم الصحيح لمن قال بخلافه. ومع كل هذا، لم يؤدِّ هذا الخلاف في الرأي إلى قطيعةٍ أو إساءةٍ؛ فقد ظلَّ أبو هريرة يروي عن عائشة نفسها، كما في «سنن أبي داود» (927)، وغيرها. وقد وضّح الإمام النووي في شرحه على «صحيح مسلم» (7/ 221) أوجه تفسير هذا الحديث وما تبنّاه أبو هريرة أولًا، ثم رجع عنه، فقال: «وإذا دلَّ القرآن وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز الصوم لمن أصبح جنبًا، وجب الجواب عن حديث أبي هريرة عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إرشاد إلى الأفضل، فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر... الثاني: لعله محمولٌ على من أدركه الفجر مجامعًا فاستدام بعد طلوع الفجر عالـمًا، فإنه يفطر ولا صوم له. الثالث: ما رواه ابن المنذر عن البيهقي، أن حديث أبي هريرة منسوخٌ، وكان في أول الأمر حين كان الجماع محرّمًا في الليل بعد النوم... فلما نُسخ ذلك ولم يعلمه أبو هريرة، بقي يفتي بما علم حتى بلغه الناسخ، فرجع إليه. قال ابن المنذر: هذا أحسن ما سمعتُه فيه، والله أعلم». المشهد الرابع: قبول ابن عمر لزيادة أبي هريرة اعتمادًا على خبرته: أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» برقم (1571) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم، أو ماشية. فقيل لابن عمر: «إن أبا هريرة يقول: «أو كلب زرع». فقال ابن عمر: «إن لأبي هريرة زرعًا». التحليل: هذا المشهد يُظهر تقبّل ابن عمر لزيادةٍ رواها أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك قبولًا لأمر اجتهادي من أبي هريرة، بل تصديقًا لما رواه مرفوعًا، وكان معروفًا عنه حرصه على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وسماع الحديث منه مباشرةً. وقوله: «إن لأبي هريرة زرعًا» لا يُفهم على أنه تشكيكٌ في الرواية أو تلميحٌ بالزيادة من عند النفس، بل هو إشارةٌ إلى أن اهتمام أبي هريرة بهذه المسائل الزراعية جعل من الطبيعي أن يكون ممن سمع هذا التفصيل عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه. وهذا ما شرحه العلامة الخطابي في «معالم السنن» (4/ 288) بقوله: «... إنما أراد ابن عمر تصديق أبي هريرة وتوكيد قوله، وجعل حاجته إلى ذلك شاهدًا له على علمه ومعرفته به...» وأكد القاضي عياض رحمه الله تعالى في «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (5/ 243) هذا الفهم بقوله: «وقول ابن عمر ليس على تكذيبه واتهامه... وإنما هو تصحيحٌ لروايته». ثم يزيد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «فتح الباري» (5/ 6) المسألة وضوحًا حين يشرح أن حفظ أبي هريرة لهذه الزيادة عائدٌ لاهتمامه بشؤون الزرع: «ومن كان مشتغلًا بشيءٍ احتاج إلى تعرُّف أحكامه». ويفصّل الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم» (10/ 236) المعنى بقوله: «قال العلماء: ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة ولا شكًّا فيها، بل معناه أنه لما كان صاحبَ زرعٍ وحرثٍ اعتنى بذلك، وحفظه، وأتقنه. والعادة أن المبتلى بشئ يُتقنه ما لا يتقنه غيره، ويتعرف من أحكامه ما لا يعرفه غيره. وقد ذكر مسلم هذه الزيادة -وهى اتخاذه للزرع- من رواية ابن المغفل ومن رواية سفيان بن أبي زهير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرها أيضًا مسلم من رواية ابن الحكم عن ابن عمر، فيحتمل أن ابن عمر لما سمعها من أبي هريرة وتحققها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواها عنه بعد ذلك، وزادها في حديثه الذي كان يرويه بدونها، ويحتمل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم فرواها، ونسيها في وقت فتركها. والحاصل أن أبا هريرة ليس منفردًا بهذه الزيادة، بل وافقه جماعةٌ من الصحابة في روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو انفرد بها لكانتْ مقبولةً مرضيةً مكرمةً». ويظهر هذا الأسلوب النقدي النزيه بين الصحابة أيضًا في رواية أبي صالح، عن أبي هريرة، حين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح، فليضطجع على يمينه». فكان من الطبيعي أن يُعلّق مروان بن الحكم متسائلًا: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ فجاء الجواب بأن ذلك لا يُجزئ، الأمر الذي نُقل لاحقًا إلى ابن عمر، فقال: «أكثر أبو هريرة على نفسه». ولما سُئل هل ينكر شيئًا مما يقول، أجاب: «لا، ولكنه اجترأ وجبنا». فلما بلغ ذلك أبا هريرة، قال كلمته المعبرة: «فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا». (انظر «سنن ابي داود» برقم: 1261). فهذه الرواية تُمثل مشهدًا صريحًا من مشاهد الاختلاف في تلقي الحديث بين الصحابة، لكنها لا تخرج عن إطار روح التعاون العلمي والتقدير لصدق الصحبة وقوة الحفظ. ويُلاحظ فيها أن ابن عمر لم يُنكر حديث أبي هريرة، بل أقرّه، وإنما علّق على طبيعة التلقي والاجتراء في النقل، مقابل الحذر والتثبت. ومن هنا يصبح من الطبيعي، بل المتسق، أن نرى ابن عمر نفسه في المشهد الذي بين أيدينا يقبل زيادة أبي هريرة في حديث الكلاب حين قال: «إن لأبي هريرة زرعًا»، في إشارة إلى اختصاص أبي هريرة واهتمامه بهذا النوع من التفاصيل، مما يجعله محل ثقة في تلقيه لهذه الزيادة. وبذلك يُظهر لنا هذا المشهد جانبًا آخر من علاقة ابن عمر بأبي هريرة، والتي لا تقوم على نفي ولا تشكيك، بل على تفاوت في أسلوب التلقي، يُقابله في النهاية اعتراف ضمني بثقة الرواي وقوة حفظه، كما عبّر عنها أبو هريرة نفسه بقوله: «فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا». وفي ختام المشاهد، أذكر مشهدًا خامسًا، ليس علميًّا بحتًا، ولكنه يكتسب أهميته من كونه يكشف عن عمق العلاقة الوجدانية والتواصل الإنساني الرفيع بين الصحابة أنفسهم، وهو ما يُتمّم الصورة التي رسمناها في هذا المقال عن بيئة النقد العلمي النزيه بينهم. المشهد الخامس: عائشة تكرم عمر بعد خلاف علمي سابق: أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» برقم (1392) عن عمر بن الخطاب قال: «يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة، فقل: «يقرأ عمر بن الخطاب عليكِ السلام -ولا تقل: «أمير المؤمنين»، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي»، قالت: «كنت أريده لنفسي، فلأوثرنَّه اليوم على نفسي»، فلما أقبل، قال له: «ما لديك»؟ قال: «أذنتْ لكَ يا أمير المؤمنين»، قال: «ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنتْ لي فادفنوني، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين». التحليل: يبرز هذا المشهد أن الاختلافات العلمية بين الصحابة لم تُفسد محبة الاحترام المتبادل، بل كانت روابطهم أعمق وأشمل، بحيث ظل الاحترام قائمًا حتى في مواجهة الاختلافات وحتى بعد الوفاة. كما يدل على تواضع خليفة المسلمين عمر، حيث منع ابنه من استخدام لقب «أمير المؤمنين» عند أم المؤمنين عائشة، مُقدّرًا مكانتها ومقامها. ومن اللافت أيضًا أن عائشة رضي الله عنها، رغم وجود تباين في بعض الآراء العلمية بينها وبين عمر رضي الله عنه في مواقف محدودة، آثرت دفنه في موضع كانت ترغب فيه لنفسها، مما يعكس عمق الروابط الروحية والإنسانية بين الصحابة. ويؤكد هذا أن الخلاف العلمي لم يكن سببًا للتباعد، بل كان يُدار بروح من التقدير والاحترام والتعاون على الحق. الخاتمة: تُظهر هذه النماذج الخمسة مدرسةً علميَّةً مبكرةً في المجتمع الإسلامي الأوَّل، حيث مارس الصحابة رضي الله عنهم النقد البنّاء، والتمحيص، والاستفسار، دون تعصّبٍ أو شقاقٍ، متمتعين بالحكمة، والعدل، والتواضع العلمي. إنها دروسٌ خالدةٌ لأهل العلم في كل زمانٍ ومكانٍ، تؤكّد على أهمية أمانة النقل، ونزاهة التصحيح، وسَعة الصدر للنقد العلمي الهادف. وقد أبرزت هذه المشاهدُ طبيعةَ التواصل العلمي الراقي بين عائشة وابن عمر، وبين عائشة وأبي هريرة، وبين أبي هريرة وابن عمر، رضي الله عنهم أجمعين، فكانت نماذجَ مثاليَّةً تدلُّ على حيوية المجتمع الحديثيِّ منذ وقتٍ مبكرٍ، وتعكس وعيًا علميًّا وروحيًّا نادرَ المثال. كما تُفند هذه الشواهدُ التاريخيةُ الدقيقةُ ما يزعمه بعض المستشرقين والمنكرين للسنة مِن ادعاءاتٍ باطلةٍ؛ كزعمهم أن الصحابة كذَّب بعضُهم بعضًا، أو أنهم رووا الأحاديث من غير مراجعةٍ أو تحققٍ. بل على العكس، تُثبت هذه النماذجُ أن الصحابة كانوا أصحابَ ضوابطَ علميَّةٍ دقيقةٍ، ومجتَمعًا حيًّا يقظًا يقوم على المراجعة، والتثبّت، والإيمان بأن النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانةٌ لا يُتهاون فيها. فتبقى هذه النماذج نورًا يهتدي به أهل العلم، في زمن كثرت فيه الظنون والافتراضات، وقلَّ فيه التثبّت والتحقق. فليكن ديدننا العلم بالحجة، والقول بالعدل، والتواصل والتواصي بالحق. المصدر: منتدى تراتيل شاعر - من قسم: الحديث و علومه hgj,hwg hgugld hgl,q,ud fdk hgwphfm: uhzam ,Hf, ivdvm ,hfk ulv kl,`[h |
![]() |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
جميع الحقوق محفوظة : تراتيل شاعر